غزة/ محمود قديح
بريشةٍ شلّاء مع الأملِ المشنوق على نافذةٍ الحرية ، وستارة مبتلّةٌ بالألوان ، تبدعُ منال رسمَ شاطئَ قلبها المكبوت من عمرها الجامعي ، لم تكن منال بإطلالتها البحرية نموذجياً إبداعياً وتشكيلياً فحسب ، وإنّما امتد ذلك إلى أن ترسمَ أزهارَ الحرية ، على قماش العرباتْ .
منال الأسطل : عشرينية_ من قطاع غزة قابعة تحتَ نواجذِ الاحتلال والحصار ، الذي يعمل على كبتِ موهبتها و تحقيقِ حلمها الذي تُريد أن تعرضه على العالم .
بنافذةٍ بحرية مبتلة بالألوان ، ومحملة بعبقِ أمواج الشاطئ البحري ، وتحتَ حبِّ دائرةِ الرسم الذي تغلغل في أوردتها تبدعُ منال طوقاً رِسامياً جديداً ، يعرفُ بالرسم على الجينز .
تقول منال ” بدأت هذه الموهبة تتفشى بي ، منذ صغري على طاولتنا القديمة ، وباجتماعٍ عائلي ، يُحفزُ بنا ألوانَ هذا الفنِّ التشكيلي ، وما زال هذا الفنُّ يغتال قلوبنا حتى _ كبرنا عليه ، وشاءَ أن يجري بنا مجرى الجمال ، فنجلسُ على طاولةِ جدتي ، نُعلّق على رسومات بعضنا البعض ” .
ليسَ غريباً أن تنبتُ الطفلة الصغيرة القمحية وتترعرعُ في هذا الطوقِ الجمالي ، فالطفل الغزّي يُحاولُ أن يخلقَ لنفسه وطناً جديداً سواءاً _ بالكلمة أو باللون ، ولكنَّ الغريب هو المواصلة في قِطانةِ هذه الدفّة ، وأن يشبَّ على هذا ، والأكثر غرابة أنْ خلقَ أجواءاً رِسامية جديدة ، وتكيف مع هذا الكبتْ .
تذكرُ منال ” كنتُ أتعلّق في الرسمِ بكلِّ ما فيه ، وصرتُ أشتهي الرسم على أيِّ شيءٍ ، وذاتَ إطلالةٍ بحرية وبيدي الألوان المائية ، سقط نظري على قماشةٍ جنزية ، على المنضدة فآثرتُ الرسمَ عليها ، بما يتناسب مع إطلالةِ بيتنا البحرية فلم أجد أكثرَ تناسباً من أن أرسمَ الشاطئ ” .
ولا يُعزى ذلك إلى الإطلالة فقط ، وإنّما يتعدى ذلك ليصل إلى الإنسان الذي يقبع ، خلف هذه الرسمة ، فمنال لم تكنْ بذلك الأملِ واسع المداد ، مقارنة بالاحتلال ، وإنَّما كانت بمدى هذا النَّقاء ؛ لذلك اختارت مزجَ ألوان الشاطئ بألوان القماش الجنزي .
ولمْ يكتبْ على حلمِ منال بالنفاذ ، وإنما بالنفاد والانتهاء ، فقد ظلْت منال ترسمُ زُرقةَ قلبها على كلِّ نافذة حتى احبرت جميعُ نوافذِ البيت ، وتلى النوافذ البيتية _ نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي التي تربطها و العالم .
تحكي منال وهي تُمنّي نفسها بالأمل ” لقد عرضت هذه اللوحات على منصتي على _ إنستقرام ، وحصلت على الكثيرِ من عبارات التشجيع ، والإعجابات بهذه الرسومات ، وبفكرة الرسم على الجينز ” .
غيرَ أنّه لم تكن هذه الإعجابات والعبارات ، تُربي من جيب الأسطلِ شيئاً ، بل تزيدها اتّقاد ؛ لتقتربَ إلى حالةِ الرّماد ، وتنطفئ .
لفتت الفتاة بقولها : ” رأيتُ أن الرسمَ على ضفافِ الجينز طريقة مُثلى لتفريغِ ذاك الكبت فيَّ ، وآثرت شراء الجينز على مصروفي الجامعي ؛ لأرسمَ هذه الأزهار والشواطئ ، ولكي أُربي الأمل ، إنَّ أقصى ما أريدُ الحصولَ عليه الآن ، الحصول على شيءٍ من قماش الجينز ؛ لأكمل رسمَ أحلامي وأعرضها للبيع على المارة ” .
منال كغيرها من المبدعين في قطاعِ غزة ، حيثُ تُعلَّقُ مشنقةُ الأملِ _ في كلِّ بيتٍ وتمتد إلى كلِّ زقاقٍ داخلِ الشارع الغزي ، وغاية كلّ ذلك هو الاحتلال ، والحصار .
وتختمُ الفتاة العشرينية حديثها : ” إنَّ ما أسعى إليه الآن هو أن أتمكن من افتتاحِ معرضٍ ، لأعرضَ به رسوماتي ولوحاتي ، ولكي أجدَ لي فرصة من عرضِ إبداعي على العالم ، وأدخل المسابقات العالمية ” .
وما زال الإبداع يخلقُ في زقاقِ غزة ، ولكن على مشنقةِ الأمل ، والمستقبل .